أنواع من العشاق

تأن ولا تعجل بلومك صاحبا"                              لعل له عذرا" وأنت تلوم

لا تحسبوا رقصاتى بينكم طربا"                          فالطير يرقص مذبوحا" من الألم

الهوى والعشق والحب والغرام ، أنواع ولكل نوع صور وضحايا وهلكى ومرضى وأشقياء .

وشتان بين المحبين والعشاق وأهل الهوى ، فمن المحبين من أدخله حبه وصدقه جنات النعيم ، وأما الصنف الآخر فمنهم من أوصله حبه وعشقه وغرامه إلى نار تلظى لا يصلاها إلا الاشقى .

فشتان بين المحبين ، وما وقع فيه هذا النوع من مرض وجنون وأواء ، فهو بسبب تركهم للحجر الصحى الربانى الذى نهى عن مقدمات ذاك الداء ، فكيف بالوقوع فيه ؟!

وامرء ما دام ذا عين يقلبها                                  فى أعين الغد موقوف على الخطر

يسر مقتله ما ضر مهجته                                   لا مرحبا" بسرور عاد بالضرر

وسأذكر نظما" يوضح ما يقصد أو يشتكى فيه قائله من الفريقين .

روى عن الأصعمى أنه قال بينما أنا أسير فى البادية إذ مررت بحجر مكتوب عليه هذا البيت :

يا معشر العشاق بالله خبروا                             إذا حل عشق بالفتى كيف يصنع

قال الأصعمى فكتبت تحته :

يدارى هواه ثم يكتم سره                               ويخشع فى كل الأمور ويخضع

ثم عدت فى اليوم الثانى فوجدت مكتوبا" تحته :

فكيف يدارى والهوى قاتل الفتى ؟                     وفى كل يوم قلبه يتقطع

فكتبت تحته :

إذا لم يجد صبرا" لكتمان سره                         فليس له شئ سوى الموت أنفع

ثم عدت فى اليوم الثالث فوجدت شابا" ملقى تحت ذلك الحجر ميتا" فقلت لا حول ولا قوة إلا بالله إنا لله وإنا إليه راجعون .

وقد كتب قبل موته :

سمعنا أطعنا ثم متنا فبلغوا                            سلامى على من كان بالوصل يمنع

أما الآن فمع نوع آخر من المحبين ممن تعلقت قلوبهم بربهم الذى رباهم وبرسولهم صلى الله عليه وسلم الذى أخرجهم الله به من الظلمات إلى النور ، ومن العمى إلى الهدى ، فأصبح هواهم تبعا" لما جاء به رسول الهدى والنور ، فعاشوا سعداء وشرفاء بذلك النور الساطع ، والغيث النافع ، يقول أحد المحبين :

بشرى من الغيب ألقت فى فم الغار                     وحيا" وأفضت إلى الدنيا بأسرار

بشرى النبوة طافت كالشذى سحرا"                 وأعلنت فى الدجا ميلاد أنور

وشقت الصمت والأنسام تحملها                      تحت السكينة من دار إلى دار

وهذا ابن عباس رضى الله عنهما حبر الأمة وترجمان القرآن يحتسب عينيه عند مولاه فيقول :

أن يأخذ الله من عينى نورها                          ففى فؤادى وقلبى منهما نور

قلبى ذكى وعقلى غير ذى عوجِ                      وفى فمى صارم كالسيف مشهور

وقال أحد المحبين يصف حاله عند سماعه أو قراءته كلام حبيبه ومولاه :

وإنى ليبكينى سماع كلامه                          فكيف لعينى لو رأت شخصه بدا

تلا ذكر مولاه فحن حنينه                           وشوق قلوب العارفين تجددا